عبد الوهاب السحيمي
وقع قبل يومين الأستاذ خالد الجامعي مقالة
جديدة نشرت بمجموعة من المواقع الإخبارية اختار لها عنوان " معظم رجال
التعليم الديني في المغرب متخلفون و متأثرون بالفكر الوهابي"، و تحدث قيدوم
الصحافيين المغاربة عن مبادرة الملك محمد السادس لمراجعة مناهج و برامج مقررات
تدريس التربية الدينية، سواء في التعليم العمومي أو الخاص أو في مؤسسات التعليم
العتيق، و انتقد بشدة أساتذة مادة التربية الاسلامية حيث قال " يضطلع
بالتعليم الديني في المغرب، معلمون معظمهم متخلفون و متأثرون بالفكر الوهابي و
التلاميذ يتعرضون لحشو الجماجم و لخندقة لا تترك لهم أي مجال للتفكير أو النقاش أو
المساءلة"، كما هاجم الصورة التي تعطى لرجل تعليم ك "معلم مقدس"، يمتلك الحقائق المطلقة
التي كرست و تكرس اسلاما غير متسامح، اسلاما ذكوريا، مفتول العضلات، معاديا
للنساء، و متشبعا بالكره... صديقي خالد الجامعي، فعلا الدولة و
بتعليمات أعلى سلطة في المغرب أخذت على عاتقها مسؤولية تنقيح و مراجعة مناهج و
برامج مقررات التربية الاسلامية على أساس أن يتم حذف و تعديل جميع الأيات القرآنية
و الأحاديث النبوية الشريفة التي نزلت وفق سياق محدد و في ازمنة خاصة، تنص على
الجهاد و مجابهة الكفار و المشركين و المرتدين...، لكن سيدي خالد، هل اعطت الدولة
تعليماتها كذلك للمسؤولين على وزارة التعليم لبرمجة تكوينات خاصة لمدرسي و مدرسات
هذه المادة حتى تتلاءم و مستجدات المادة مع التكوين الأساس للمدرسين و المدرسات و
يضطلعون بمهامهم على أكمل وجه؟ سيدي خالد، و أنا أحدثك كأستاذ ممارس لا أدرس مادة
التربية الاسلامية لكن كمهتم و فاعل تربوي أعرف بعض أوجه القصور التي عرفتها عملية
تنزيل هذه المبادرة، و يجب ان تعلم أننا في منتصف السنة الدراسية و لازالت بعض
المستويات الدراسية بدون مقررات التربية الاسلامية و المدرسون يدبرون الفراغ
باجتهاداتهم الخاصة، كما اؤكد لك أنه و رغم الزوبعة الكبيرة التي رافقت هذه
المبادرة لم يستفد أي مدرس من يوم واحد تكوين لمواكبة تنزيل هذه المستجدات، يعني
كما يقول المثل الشعبي المغربي "المندبة كبيرة و الميت فار". و ليس
فقط مبادرة تنقيح مناهج و برامج مادة التربية الاسلامية التي لم تكلف الدولة نفسها
عناء تكوين الأطر باعتبارهم الفاعلين الميدانيين، لأننا أمام اطر تربوية قضت اكثر
من عشرين سنة في المهنة و هناك المقبلون على التقاعد و لم يستفيدوا من اي تكوين
مستمر لتجديد معارفهم خاصة في ظل المستجدات الراهنة، نحن اليوم أمام نقاش واسع حول
الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التربية و التكوين 2030/2015، فهل نزلت الدولة و وزارة
التربية الوطنية عند نساء و رجال التعليم لشرح ما جاء في هذه الرؤية و كيف سيتم
التعامل معها؟ و هل كلفت أطر التفتيش و زودتهم بالمعدات الكافية لشرح مضامين
الرؤية الاستراتيجية للمعلمين و المعلمات و كيف سيتم تنزيلها؟ و هل قامت حتى
بتوفير هذا الكتاب الذي يجمع الرؤية الاستراتيجية لرجال و نساء التعليم؟ أما موضوع
الفكر الوهابي سيدي خالد، فانت أستاذي الفاضل أدرى أكثر من غيرك بمن ادخل الفكر
الوهابي للمغرب و من وفر له الظروف و البيئة الملائمة لينتشر و يتوسع في المجتمع
المغربي، و رجل التعليم هو عنصر من هذا المجتمع، كما أن مهن التربية و التدريس في المغرب
اصبحت لا تغري أصحاب الشهادات الجامعية و من يلج التعليم فهو مجبر و غير مخير و
يريد فقط ان يتخلص من الشارع و البطالة و ليس بالضرورة له ميولات تربوية و حب لهذه
المهنة، و نفس الشيء ينطبق على مدرسي مادة التربية الاسلامية، فهم ولجوا هذا
المهنة و خصيصا لتدريس هذه المادة ليس لأنهم يرتدون جلابيب و لهم لحى طويلة و
يؤدون الصلوات الخمس في أوقاتها، لا، هم دخلوا التدريس بغرض الهروب من شبح البطالة
فقط، و هناك أساتذة مادة التربية الاسلامية لا يصلون نهائيا و هناك منهم من كان
ماركسيا خلال سنواته بالجامعة و هناك أستاذات للتربية الاسلامية متبرجات و يرتدين
لباسا عصريا يثير انتباه العموم في الشارع. أما قضية حشو الجماجم، فهذا أستاذي
الفاضل، لا ينحصر فقط في تدريس مادة التربية الاسلامية، و للإشارة، لا يوجد في
التعليم العمومي المغربي شيء اسمه التربية الدينية و يوجد فقط التربية الاسلامية و
كان النقاش في بداية السنة عن الاسم الذي سيطلق على المنهاج الجديد هل التربية
الدينية أم التربية الاسلامية قبل أن تقطع الوزارة الشك باليقين و أعلنت انه لن
يطرأ أي تغيير على اسم المادة و اسم المناهج و البرامج و ستظل مادة التربية
الاسلامية و ليست التربية الدينية، و الحشو هو اشكالية تعليمية تمس مختلف المواد و
هي نتاج غياب التكوين المستمر الخاص بهيئة التدريس، فالدولة و منذ عقود جربت عدة
مقاربات بيداغوجية، فمن بيداغوجيا التلقين التقليدية التي كانت معتمدة سنوات
الثمانينيات الى بيداغوجيا الأهداف سنوات التسعينيات الى بيداغوجيا الكفايات
المعتمدة حاليا و التي تجعل المتعلم صلب العملية التعليمية التعلمية و المدرس مجرد
موجه، لكن المشكل هو أن هذه البيداغوجيات بقيت حبيسة الأوراق و الصالونات المكيفة
بالرباط و لم يتم تنزيلها الى المدرسين و المدرسات في المناطق النائية و الصعبة
عبر تفعيل التكوين المستمر، و هذا هو أساس المشكل في تعليمنا العمومي المغربي.