عبد الرحيم هريوى
هل تعلم أخي القارئ ، أختي القارئة بأن
الكتابة كلها معاناة ومكابدة ولايعرف
عالمها إلا من مارسها وذاق حلاوتها ومرارتها؟؟

أو تراه منعكفا على تحرير مقال صحفي له
ارتباط بمعيشه اليومي و هو يخاطب فيه
الآخر، ليبلغ له رسالة معينة في ميدان من الميادين الثقافية أو الاجتماعية أو
الاقتصادية أو السياسية وهو يسعى جاهدا بكل ما أوتي من وسائل وأدوات الإقناع ليخاطب
في الآخر ضميره الغائبأويحرك فيه إنسانيته
،من أجل تنويره وتوجيهه وتوعيتهحتى ينكب على العمل والإصلاح والإنجاز لمن يتحمل
مسؤوليتهم في التدبير والتسيير والقيام
بالواجب من أجلالتخفيف من معاناة المواطن وتلبية مطالبه كي يشعر بوجوده وقيمته
داخل مجتمعه الواحد...
أو تجده قد عانى الأمرين لإتمام قصيدته الشعرية وقد فكر طويلا في موضوعها كي
تكون لها قيمتها الإضافية لارتباطها بحدث من الأحدات الوطنية أو القومية وحتى يكون
لأبياتها الشعرية وقعها و صداها وأثرها النفسي والسلوكي على المستمع لما يقوم إلى
المنصة وهو يقرأ أبياتها بيتا بيتاوبتأثر وإحساس عميقين،ولهفته المنتظرة أن يشاركه
الآخر قراءته الشعرية...
فدعنا نقول ماقاله رائد القصة القصيرة،الكاتبمحمد
زفزاف رحمه الله ، ذات مرة، بأن أكثرالناسالذين نعاشرهم ويعيشون بين ظهرانينا
،ربما يحملون روايات وروايات شيقة في ذاكرتهم،
وقد سبق لهم أن عاشوها أوعاشروا أحداثها الشخصية أو العائلية ،لكنهم لايمكن لهم ترجمتها إلى قصص وروايات
مكتوبة ، ولايستطيعون كتابتها،لأن ليس لهم آليات وأدوات الكتابة ،وهذا هو مربط
الفرس...
فنجد أن القراءة حق من حقوق الإنسان الطبيعية
فلايمكن لنا أن نحرم الإنسان من الأكل والشرب والنوم ... فكيف نحرمه من القراءة خاصة إذا ماكنا نحن أمة
النبئ محمد صلى الله عليه وسلم شعارها هو: (اقرأ بآسم ربك الذي خلق ،خلق الإنسان من علق)الآية ...لكن
ليس كل من يقرأ يستطيع أن يكتب ،لأنه شتان بين الإثنين ،فالكتابة لها ارتباط ذاتيبمن يمارسها ،فالكتاب
لايخرجون من الأرض كالفطر بل هم ثمرة عصرهم وبيئتهم ...ففي الجزيرة العربية ، في العصر
الجاهلي كان الشاعر يعتبر لسان قبيلته،
مثله مثل الصحافي اليوم، وكلما بزغ في قبيلة جينذاك شاعر إلا و أقيمت الحفلات وساد
جو من العزة والافتخار بين أفرادها ، لأنه أصبح لديهم من سيدافع عنهم أمام القبائل
الأخرى...لهذا فسلاح الكلمة المسموعة في أبياتهم الشعرية في العصر الجاهلي أقوى من
السيوف التي كانوا يحملونها للدفاع عن ممتلكاتهم وأعراضهم .وقد غابت عنهم الكتابة وكانوا يعتبرونها عيبا لايغتفر
في زمنهم لما كانوا يتوفرون عليه من قوة في الذاكرة والحفظ...
لهذا نجد أن كل من يمارس الكتابة للآخر تجده
دائما مهموماومهووسا ،فربما تجده يفكر في
شيء ليكتبه تم يتراجع عنه ، وبعدها يبدأديباجة موضوع آخر فيظهر له أن القارئ لا تهمه مثل هذه
المواضبع التي أمست من المواضيع الثانوية لديه ،مما يجعله في ترقب وانتظاردائمين للجظة
الحميمية التي تجعله يتيقن أن ما اختاره من بين أكثر من موضوع له علاقة وطيدة
بمواضيع الساعة التي تجعل القارئ يهتم بها ،في زمن غاب فيه النفس الطويل في
القراءة لدى شبابنا وشاباتنا للأسف الشديد ،فهم قد غيبوا قراءة الكتاب بشكل مخيف من حياتهم ، كمصدر
للمعرفة وحملوا في أيديهم هواتفهم النقالة ،وأمست لاتفارقهم ، في وقت نجد أن أولئك
الذين صنعوه لنا ، يحملون كتبهم في أيديهم وهم في الميثرو أو في سفرهم ...
لهذا فالكتابة أمستلمن يمارسهابحب حرفة من
الحرف ، والتي يعرف صاحبها قراءه ، وما يحبون وما يتشوقون إليه ، وما يكرهونه وما يرفضونه
وما ينفرون منه...